كتاب حتي الفراشات تبكي
ما الذي دفعك لكتابة (حتى الفراشات تبكي) وكيف خطرت ببالك فكرة الكتاب؟
إنَّ من أبرز الطرق للنهضة العلمية والثقافية والفكرية هو انتشار قراءة الكتب والدراسات العلمية أو مما شابه ذلك من هذا القبيل ، فالكتاب هو أحد أهم وسائل التعبير الفكري وإيصال الفكر إلى المجتمع بأسره. طبعاً هناك أسباب أساسية دفعتني الى كتابة هذا الكتاب:
أولاً: منذ بداية الأحداث حتى اليوم كانت طبيعة عملي الوظيفي على تماس مباشر مع الأخوة السوريين فتعرفت والتقيت مع الآلاف منهم وشاهدت العديد من مشاكلهم ، فجاء كتابي حتى الفراشات تبكي جواباً لجميع ما شاهدت من المشاكل العامة بخصوص المجتمع .
ثانياً: أردت أن أوصل رسالةً إلى الشعب السوري والتركي على حدّ سواء ، فلم أجد طريقاً أشمل وأجدى من تأليف كتاب يصب في هذا المضمار.
ثالثاً: نحن كشاهدين على الأحداث والتي هي من يشكل التاريخ أردت ان أنقل ما جرى وأن أضع بصمتي في هذا التاريخ كي أنقل صورةً حقيقةً عما جرى ، فلم أجد طريقاً أنجع من الكتابة .
فنتيجة الأسباب الآنفة الذكر توفرت لدي رغبة شديدة بالكتابة، والتي كانت بالبداية هي عبارة عن ملاحظات ومدونات فردية في مدونتي الخاصة إلى أن تبلورت الفكرة فيما بعد بكتابة كتاب تحت مسمى (حتى الفراشات تبكي )
حدّثنا عن موضوع الكتاب؟
بعض الآلام خرساء يعجز عن وصفها اللسان وتذهل بذكرها الأذهان ،
بعض الآلام لا تحكى ولا توصف فقط تعاش ونحس بها بمفردنا ،
لا تتسع الأبجدية لوصفها ولكنها تتخذ من القلوب مسكناً لها
كيف إذا كانت تلك الآلام يتألم الألمُ من ألمها ؟
فلا يمكن وصف هذه الآلام إلا من خلال المرور بها والإحساس بها أو معايشة من عاشوا هذه الآلام
كتابي (حتى الفراشات تبكي)
يأتي لوصف جرعات الألم التي تجرّعها الإنسان السوري وذلك بعد تجربتي في إدارة المخيمات ، وكوني شاهداً على حال ملايين من عاشوا هذا الألم ، فلامستُ المهم بقلمي لأوصله لكم بكتاب
(حتى الفراشات تبكي ) الذي يحكي عن الظلم الذي كان يمارسه الأسد الأب ، وتبناه فيما بعد ابنه بشار الأسد.
هذا الظلم الذي قارب عمره ٥٠ عاماً ، فقد شاخ من عاصروه وهو لم يشخ، وقد مات من كابدوه وهو لا يزال حياً بأبشع وجهٍ له متمثلا بالحرب الدائرة بسوريا
كتاب (حتى الفراشات تبكي)
يأتي كوثيقةٍ تاريخيّةٍ تؤرِّخ ما عاشه الشعب السوري منذ مجزرة حماة في الثمانينات مروراً بفظائع سجن تدمر وآلام المعتقلين في زمن الأسد الأب انتهاءً بمجازر الأسد الابن والحرب التي يشنها الآن على الشعب الأعزل .
الكتاب هو تاريخُ الآباء وذكرى الشباب و تسليط الأضواء على الظلم السائد في سوريا والذي مارسته عائلة الأسد
خلاصةُ القول : إنَّ الكتاب يصف ما عاناه الشعب السوري من ظلم في السابق والحديث عن اندلاع شرارة الثورة السلمية وتظاهر الناس بالشوارع ومواجهتم بالرصاص والنار لإخماد صوت الحق
ومعاناتهم في اللجوء والبحث عن ملاذ آمن و احتمائهم بدول الجوار عسى أن يجدوا مكان آمنا ًيخلصهم من آلة الإجرام الأسدية
هذا ما سوف تجدونه في كتابي
ما هي الرسالة التي تهدف إلى إيصالها من خلال هذا الكتاب؟
طبعاً هناك عدة أهداف من خلال هذا الكتاب ، حيث تتفاوت هذه الأهداف من حيث الأهمية إلا أن الهدف الأساسي هو تسليط الضوء على القضية السورية ومعاناة الشعب السوري والرفض القاطع للظلم والقتل الوحشي من قبل آل الأسد
أيضاً من الأهداف المنشودة إيصال رسالتين الأولى إلى الشعب التركي . أما الرسالة الثانية فهي إلى الشعب السوري .
الرسالة التي أريد أن أوصلها للشعب التركي هي :
من المعروف أن الشعب التركي منذ بداية الثورة السورية وازدياد موجة اللجوء إلى تركيا لم يدخر جهدا في مد يد العون والمساعدة للأخوة السوريين وقد لبوا النداء مسرعين وقدموا كل ما بوسعهم أن يقدموه لتخفيف وطأة الحرب والنزوح ، إلا أننا اليوم نشاهد عكس ذلك تقريبا حيث أصاب الشعب التركي نوعا من الصدود والفتور ، حتى أننا بتنا نسمع احيانا بعض الأتراك وقد تكونت لديهم فكرة مفادها أن السوريين قد فروا من الحرب وتركوا بلادهم للأجانب وأصبحوا عبئا علينا ، يقاسموننا أرزاقنا وساهموا في رفع مستوى البطالة عند المواطنين الأتراك ناهيك عن الفوضى والعشوائية التي يمارسها بعض السوريين
طبعا الكلام لا يفيد العموم وإنما شريحة من المجتمع السوري ، فأنا بدوري أردت أن أصحح الأفكار وأن أزيل الغموض لدى بعض الشعب التركي من خلال ردم الهوة الحاصلة لديهم وأن أعكس صورة حقيقة للقضية السورية ومدى الظلم الذي مورس عليهم وأن أبين السبب الرئيسي لهجرتهم إلى تركيا . وقد هجروا قسرا رغما عن أنوفهم نتيجة الإجرام والبطش الوحشيين .
هذا كله وأكثر قد دفعني لأن أكتب عن معاناة الشعب السوري في الحرب الدائرة الآن والظلم الذي تذوقوا طعمه على مرور ٤٠ عام بدءا من مجزرة حماة والظلم في أروقة سجن تدمر وانتهاء بالثورة السورية اليتيمة والسبب الحقيقي الذي جعل من السوريين لاجئين في دول الجوار وفي تركيا .
أما رسالتي الى الشعب السوري :
في هذا السياق علينا أن نذكر و نقدم بعض الإحصائيات أولاً:
عدد اللاجئين في تركيا : 4 مليون تقريبا ً
الولادات في تركيا: 224.750
عدد الشهداء في الثورة السورية : 1 مليون تقريبا ً
تقدر نسبة أعمار الشهداء( 1 مليون ): %46 أعمارهم 18 سنة وما دون
تخيل شعباً تعرض للظلم في كل أنواعه ، تخيل شعباً فقد وطنه وماله ووظيفته , تخيل شعباً ابتعد عن القراءة والمطالعة والدراسة ، تخيل شعباً فقد 1 مليون إنسان لأجل قضية ٍ ما ، والأجيال القادمة سوف تدفع ثمن هذا كله ، فرسالتي هذه للأجيال القادمة علها أن تجد آذاناً صاغية ليجددوا العزم والعمل الدؤوب المتواصل للوصول إلى بر الأمان وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الوحشية
والهدف الأخير ألا وهو تسهيل اندماج الشعب السوري بالمجتمع التركي
قلت أنك ذهبت إلى داخل سوريا بعد الثورة بحكم عملك مع ” اي هي ها ” حدثنا عن مشاهداتك فيها؟
نعم صحيح لقد زرت سوريا عدة مرات بعد الثورة ، واعتقد أن ّما يجري منذ سبع سنوات في سوريا ليس امتحاناً للشعب السوري فحسب بل هو امتحان للإنسانية جمعاء
هذه هي قراءتي لملف قيضة السوريين.، فحينما زرت سوريا أيقنت أن المجتمع الدولي بأسره قد رسب في امتحان الإنسانية ، وقد تولد لدي شعور حينئذٍ أكاد لا أجد له تعريفاً ، أقل ما يمكن أن أصفه به هو حزنٌ مبكٍ. ففي أول زياراتي إلى الأراضي السورية نزلت من السيارة ووضعت قدمي على الأرض بجانب الطريق الرئيسي ، وملأت كفي بالتراب وأنا أنظر إليه نظراتٍ حانية، وحينئذ ٍ عادت بي الذاكرة إلى العديد من القصص التي شاهدتها وسمعتها ممن التقيت بهم في المخيم وغيره.
هنا تبادر إلى ذهني سؤال وقد ردّدته بصوت خافت تتخلله شطحات خيال .
أيها التراب كم أنت غالٍ ؟ وكم استشهد أناسٌ من أجلك ؟ وكم أتعبت أهلك ؟
الحقيقة لقد تولد لدي إحساسٌ غريب جراء ما شاهدته من دمار وحين وصولي إلى مدينة جرابلس
حيث نظرات الناس التشاؤمية والسوداوية للحياة جراء ما تعرضوا له من قصف ودمار ، كما أن نظرات عيون الاطفال كان مثيرة جداً كأن هذه النظرات تناديك , صعوبة العيش وضعف الإمكانيات تطغى على الموقف
هذا ما شاهدته في سوريا
تجربتك مع اللاجئين السوريين طويلة حدثنا عن أبرز ملاحظاتك؟ وكيف تصف سنواتك مع اللاجئين السوريين؟
نعم ، منذ سبع ِسنوات ٍ وأنا موظف في العديد من المجالات التي تخص أمور السوريين في المخيم وخارجه ، فأنا عضو لجنة تعليم السويين و منثق لجنة الأخوة بين سوريا وتركيا و مدير لمخيم نيزب ملاحظاتي كثيرة لكن من أبرز ملاحظاتي :
فتاة في مقتبل العمر يكاد عمرها لا يتجاوز سبع عشرة سنة وقد كلفتها بالمسجد كمدرسة للقرآن الكريم
وكانت ترتدي خماراُ حينئذٍ وبعد فترة من الزمن وأثناء مراجعتها للإدارة بموضوع ما ، فقد شاهدتها من دون خمار وعند سؤالي لها عن السبب أجابت أن سوريا تكاد تختفي عن الخارطة ودماء مليون شهيد قد أريقت وأعراض نساء هتّكت وهذه الأمور كلها أكثر أهمية وتستحق الوقوف عندها
فقد أخذت وتعلمت من هذه السنوات السبع العديد من العبر والعظات
ما الذي يجب على السوريين فعله برأيك لشرح قضيتهم للشعب التركي؟
هذه النقطة في غاية الأهمية حتى تتوضح الصورة للجميع ولكي تتكوّن صورة حقيقة عن معاناة الشعب السوري وحجم البطش والقوة التي وقعت على كاهلهم ولتبيان سبب نزوحهم ولجوئهم إلى دول الجوار
أيضا في هذا الصدد ينبغي على السوريين المتواجدين على الأراضي التركية العمل بشكل جدي ودؤوب واستخدام العديد من الطرق والوسائل لتقريب الصورة للشعب التركي ورأب الصدع الحاصل وكشف الصورة الضبابية لدى الأتراك ، وإظهار أن من يقوم بأعمال شغب وفوضى وحركات منافية للأخلاق الفاضلة هم قلة قليلة والشعب السوري منهم براء والمطالبة بمحاسبتهم محاسبة عادلة
ولتحقيق ما تم ذكره يجب على السوريين أولا إتقان اللغة التركية التي هي العامل الأهم والأساسي للتفاهم بين الشعوب ولتحقيق الإدماج الصحيح بالمجتمع التركي .
أيضا بإمكان السوريين تأليف الكتب باللغة التركية لنقل الصورة الحقيقية لمأساتهم
ومن العوامل المهمة أيضا النشر بالصحف والمجلات التركية الرسمية
كما يمكن إقامة لقاءات تلفزيونية وتفعيل وسائل التواصل الاجتماعي والحوارات واللقاءات حول الوضع السوري التركي
أيضا تفعيل دور الجالية السورية في تركيا لتأخذ دورها الحقيقي في إيصال الصوت السوري للجهات المعنية .
أخيرا ليس آخرا
نسأل الله العلي القدير أن يفرج عن المسلمين ما أهمهم وأغمهم وأن يدبر لنا أمورنا فإننا لا نحسن التدبير
سائلين المولى أن يرد المهجرين إلى ديارهم سالمين غانمين
ونحن مازلنا على الوعد ( نحن الأنصار والشعب السوري هم المهاجرون )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
Celal Demir / Yazar
جلال دمير / كاتب حتي الفراشات تبكي